ثقافة خلال تقديم كتاب «مادام في الثورة التونسية نساء» في سوسة: تأكيد على أهمية مواصلة النضال من أجل الحفاظ على مكاسب المرأة وتطويرها
بمشاركة كل من ألفة يوسف ونائلة السليني وخديجة الشريف وراضية الجربي ولينا بن مهني وبشرى بلحاج حميدة وزينب فرحات وسعدية مصباح وسنية بن مراد، انتظم يوم السبت 24 أكتوبر لقاء بنزل تاج مرحبا بمدينة سوسة تم خلاله تقديم كتاب «مادام في الثورة التونسية نساء» للإعلامي منصف بن مراد والذي صدر عن دار «سامباكت» للنشر. ووسط حضور نسائي قارب الـ400 امرأة، أكدت أغلب المتدخلات على أهمية مواصلة النضال من أجل الحفاظ على مكاسب المرأة وتطويرها ومن أجل تحقيق المساواة المواطنية ومن بينها المساواة في الإرث.
وشددت المتدخلات على اهمية النهوض بالجانب الاقتصادي للمراة والعمل على ازالة التمييز الذي تعاني منه فضلا على ضرورة تكريس قيم الحرية والكرامة، وهي قيم نادت بها الثورة.كما تم التذكير بأن النضال النسوي التونسي متجذر وضارب في قدم التاريخ منذ أن أسست عليسة قرطاج منذ 2800 سنة، وخلال الأيام الاولى للثورة شاركت التونسيات في مختلف المسيرات والمظاهرات التي عرفتها البلاد وهو ما يؤكد اسهام المرأة ورغبتها في تحديد مصيرها ومصير بلادها. وقد اعتبرت احدى المتدخلات انه لولا نضالات المرأة التونسية وصمودها خلال السنوات الأربع الماضية لتم المس من مجلة الاحوال الشخصية والتفريط في حقوق المرأة.
كما شكلت هذه المناسبة فرصة لتكريم روح عدد من المناضلات وهن نجيبة بن حميدة سكندراني التي سيتم تدشين نهج بسوسة يحمل اسمها يوم السبت 31 أكتوبر، وحلومة حباشي جيلاني فضلا عن زمردة بلويس وكلهن عُرفن بنضالهن زمن الاستعمار بجهة سوسة.
أخبار الجمهورية واكبت حفل تقديم الكتاب الذي استهله صاحبه الإعلامي المنصف بن مراد عبر مداخلته التي ذكّر فيها بأنّ المرأة التونسية سليلة 3 آلاف سنة من تاريخ زاخر بالمواقف النسائية الفارقة (عليسة، سوفونيسب، عزيزة عثمانة، الخ) والتي تم تغييبها من ذاكرتنا الجماعية. وفي ذات السياق، ندد بتعاطي السلطة السياسية مع الكفاءات النسائية التي تم اقصاؤها مؤخرا من مناصب القرار معتبرا أنّ واقع المرأة لن يتغير الا بتغيير موازين القوى لصالحها وذلك من خلال توحيد صف مختلف الحركات النسائية.
اتحاد المرأة ركيزة من ركائز الاتحاد النسائي
وعلى صعيد آخر نادت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة بالمحافظة على الاتحاد لأنه يشكل ركيزة من ركائز النضال النسوي التونسي... واعتبرت ان النساء التونسيات خرجن إلى الشارع عندما أحسست أن حقوقهنّ مهدّدة ولذا يجب أن تتواصل المعركة التي تنتصر إلى خير البلاد ولا من أجل خير المرأة وحدها...
من آجل ديمومة النموذج المجتمعي التونسي
أمّاسعدية مصباح فقد حيّت المناضلات التونسيات اللاتي غادرن هذا العالم وقالت إنّ هؤلاء النسوة حملن مشعل الأمل وإنّه يجب مواصلة النضال من أجل ديمومة النموذج المجتمعي التونسي..
المرأة حاضرة منذ 3 آلاف سنة
ومن جهتها، ذكّرت سنية بن مراد رئيسة غرفة النساء صاحبات الأعمال بتونس بتاريخية الحضور النسوي في هذه الربوع والذي يعود الى 3 الاف سنة منذ أن أسست عليسة قرطاج.. وقالت إنّ تاريخ تونس حافل بالأسماء النسائية، فقد كانت النساء عبر التاريخ حاكمات، مؤسسات، عالمات ومنهن على سبيل الذكر لا الحصر أروى القيروانية التي فرضت شرط الصداق القيرواني الذي يمنع تعدد الزوجات وبشيرة بن مراد مؤسسة أول جمعية من المجتمع المدني.
كفانا شعارات ولنعمل على الميدان لإثبات دور المرأة
أمّا المدونة لينا بن مهني فقالت إنّ هناك من يريد تزييف الحقائق لكننا لا يمكن أن ننسى أنّ أوّل شهداء سقطوا في الثورة التونسية هم من جنس الإناث ومنهم أصغر شهيدة يقين القرمازي ومنال بوعلاقي من الرقاب... ودعت لينا بن مهني الى عدم نسيان هؤلاء النسوة وغيرهن ممن كنّ في الصفوف الأمامية للمظاهرات.. كما نادت بضرورة التحسيس بالحقوق المهضومة لفئات عديدة من النساء ومنهن المرأة الريفية والمرأة التي تتعرض للاغتصاب ثمّ إلى ضغط المجتمع التي يطالبها بأن «لا تتكلم».. وقالت لينا بن مهني «كفانا شعارات.. في المغرب هناك حديث حول المساواة في الإرث وفي تونس هناك نساء يرفضن هذا المبدأ.. فلنعمل على الميدان لإثبات دور المرأة»...
{شكرا لـهــؤلاء}
بعد نجاح لقاء سوسة الذي شكّل فرصة لتقديم كتاب «مادام في الثورة نساء» وتكريم ثلة من مناضلات المدينة، أتقدم بخالص عبارات الامتنان والشكر للسيد عثمان جنيح الذي وفّر لنا القاعة المناسبة في نزله تاج مرحبا الذي يديره باقتدار السيد شاكر بن عبد الله..
كما يطيب لي أن أشدّ على أيدي كل من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة التي جمعت ما يناهز 400 امرأة وديمقراطي وأخصّ بالذّكر كلا من عائشة عطية وهادية يخلف وأنور فاني وحذامي القروي وعلياء دعلول ويسر رزقي قطاط وصباح الصالح، مع التنويه بخصال السيدة أميرة غنيم والفنانتين الراقيتين نادية الزرمديني وأسماء القابسي..
فشكرا لهنّ وشكرا لهم وشكرا للحضور الممتاز جدا.. كلّهم مفخرة لتونس ومفخرة لجوهرة الساحل..
المنصف بن مراد
يجب مواصلة النضال حتى نصل الى بر الأمان
ومن جهتها حذرت الأستاذة الجامعية نائلة السليني «من البقاء في حالة تدافع، وإن بقينا في هذه الحالة فإنّنا «نتقدقو».. وأضافت نائلة السليني إنّها فرضت حضورها كامرأة في الفضاء الجامعي منذ أن عينت سنة 1991 في كلية الآداب بسيدي الظاهر بسوسة... وقالت السليني إنّ المرأة التونسية كانت شريكا فاعلا في الثورة وشاركت في مظاهرات شارع الحبيب بورقيبة والمجلس التأسيسي وكلهن ناضلن من غير حساب ولا طمع... وهوما جعل فكرة المجتمع المدني تتبلور بأتم معنى الكلمة.. وأشارت السليني إلى ضرورة مواصلة النضال، فهناك تحديات عديدة في انتظار المرأة التونسية... وواصلت السليني قائلة: «لا يجب أن نفرّط في مكاسب المرأة التونسية... يجب مواصلة النضال حتى نصل إلى برّ الأمان».
وقالت نائلة السليني إنّه لا يجب الخوف من موضوع المساواة في الإرث، فتركيا تعرف المساواة في المواريث منذ سنة 2004 وإيران كذلك أصدرت قانونا يضمن المساواة في الإرث.. وختمت قائلة: ما لم تكن هناك مساواة في الإرث فإنّه لايمكن الحديث عن المساواة ونادت بتشكيل جبهة مغاربيّة للدفاع عن حق المساواة في الإرث.
نحن بحاجة إلى التواضع وإلى صفات الانتفاح والمحبة والهدوء
ومن جهتها قالت ألفة يوسف إنّها ليست مناضلة وليس لها فضل على أحد... وقالت إنّها لو أغمضت عينيها وفتحتهما بعد 100 عام، فماذا سيبقى؟ سيبقى أثر نساء ورجال أعطوا البلاد كثيرا... وواصلت قائلة: «أعتقد أنّنا في حاجة إلى التواضع... لقد مللنا من كلمة «أنا» لانّ ما يحصل في تونس وفي العالم العربي هو جماع جهود متعددة... نحن بحاجة لا إلى عودة النساء فقط إلى مجالات القيادة ولا الى عودة الانثوي فينا.. عندما أنظر اليكم لا أرى رجالا ونساء فقط بل أرى ما وراءهم ففي كل رجل منكم امرأة.. هل من رجل لا يحمل في ذاته بقايا امه، هل من رجل لا يحمل بقايا النساء اللواتي عرفهن وجداته.. وهل من امرأة لا تحمل بقايا أبيها وسائر الرجال الآخرين؟ انا والآخر واحد.. إنّ الصفات التي نحن بحاجة إليها اليوم هي صفات الانفتاح والقبول والمحبة والهدوء.. مللنا الصراخ والتشنج، مللنا الأناوات التي تتصارع من أجل لا شيء... انا لست مناضلة لكني مثلكم جميعا أحلم بأن يمرّ عبر هذه الذات التي ليست الجسد شيء ما يبقى لشخص قد لا يذكرني ولا يعرفني ولكنه يحيى بذلك مثلما أحيا بشيء وهبه لي من سبقني».
عدم البقاء في مكان المتفرج
أمّا زينب فرحات مديرة فضاء التياترو والناشطة بجمعية النساء الديمقراطيات فدعت الى عدم البقاء في مكان المتفرج مشيرة إلى أنّ انخراطها صلب الجمعية المذكورة مكّنها من تكوين في مجالات حقوق الإنسان وثقافة الانصات والنقد الذاتي... وأضافت زينب فرحات أنّ فضاء التياترو فتح أبوابه للدفاع عن هذه الحقوق ومنها قيم المواطنة ونبذ العنصرية وشرح معنى العلمانية والفرق بينها وبين الالحاد.. كما قدمت نبذة عن مشروع «زنوبيا» الذي يهتم بالمرأة والطفل الريفي وهي كلّها مبادرات مواطنية تعمل على التواصل مع الآخر في كنف الفرح والاحترام.
المطلوب أن يتضامن الجميع حتى تتحقق الكرامة والمساواة
أمّا النائبة بشرى بلحاج حميدة فاعتبرت أنّ «الخصومة» ليست بين النساء والرجال لكن الخصومة يجب أن تقوم ضد التمييز أينما كان.. وأشارت بشرى بلحاج حميدة الى تعدد المشاكل التي لا يسهل حلها معتبرة أنّ المطلوب اليوم هو أن يتضامن الجميع حتى تتحقق الكرامة والمساواة وحينها تصبح حقوق المرأة شيئا بديهيا وطبيعيا. كما أيّدت بن حميدة فكرة التناصف قائلة إنّه مبدأ يُمكّن المرأة من اكتساح الفضاء العام..
دعوة الى مواصلة النضال حتى تتحقق المساواة
أمّا الاستاذة والكاتبة العامة المساعدة للفيدرالية الدولية لحقوق الانسان خديجة الشريف، فدعت الى ضرورة النضال حتى يتطور المجتمع ويحقق مبدأ المساواة... وقالت خديجة الشريف إنّ قضية المرأة قضية جوهرية وقد تركز الخطاب السياسي منذ اندلاع الثورة الى يومنا هذا على قضية النساء... ومن ناحية أخرى طالبت الشريف بأنّ نكون، مثلما يقول علم الاجتماع، فاعلين اجتماعيين لممارسة المواطنة وألاّ نسكت على الظلم فالساكت عن الحق شيطان أخرس. وفي السياق نفسه، دعت خديجة الشريف الى مواصلة النضال لتحقيق مزيد من الحقوق وحتى تكون المرأة في مراكز القرار مضيفة أنّ الثورة اندلعت من أجل المشاكل الاقتصادية ولكن أيضا من أجل الحرية والكرامة ولذا يتوجب الدفاع عن قيم العدالة والحرية.
قصة تحديات
في المقابل تولت الأستاذة أميرة غنيم إدارة الحوار مع الحضور مذكرة بما كتبه الألوسي الكبير في بغداد سنة 1988 عندما حرّر نص «الإصابة في منع النساء من الكتابة».. وقالت أميرة غنيم أنّه بعد 17 سنة من كتابة هذا النص، ولدت التونسية بشيرة بن مراد التي أسست أوّل اتحاد نسائي إسلامي سنة 1926، كما شهدت تونس ميلاد المصلح الطاهر الحداد وكانت تونس أوّل بلاد عربية تمنع الرق وتعطي حق الانتخاب للمرأة..
ونددت اميرة غنيم بما تتعرض له المرأة التي صعدت الى المنابر للحديث في الشأن العام من تهجم مجاني معتبرة أنّ مجتمعنا رغم قشرة الانفتاح، رجعي متخلف وأضافت أنّ النساء المناضلات يحملن وزر هذه النظرة الدونية المكرسة منذ القدم..
شيراز بن مراد